Monday, May 23, 2011

فلنستولد الحق من أضلع المستحيل



ممم.. تبدو البداية دائما بالنسبة لي صعبة.. حين أبدأ الكتابة ارغب دوما في أن تبدو السطور الأولي من مقالي مثير وجاذبة للإنتباه, تجبر القرئ أن يكمل قرآءة ما أكتب حتي النهاية
لكني لن اهتم الآن بأن افعل ذلك.. يبدو الوقت ضيقا, والمشاكل أكبر من أن نبحث عن زخرف القول!!

خلاصة القول أن المجلس العسكري بالنسبة للثوار يبدو محيرا.. أليس هذا هو المجلس العسكري الذي استقبل الثوار جنوده بـ "الشعب الجيش إيد واحدة", وحملوا ضباطه وجنوده علي الأعناق فرحا بـ "المخلصين" المنتظرين؟!! إذا ما الذي يحدث؟؟

في اعتصام التحرير الأول, كان الموقف بالنسبة للمجلس العسكري الأعلي محيرا.. فالثوار مستميتين علي رحيل مبارك.. ولا يبدو في الأفق أي مخرج لهذه الأزمة.. في المقابل, فإن هناك ما هو أولي بالحفاظ من شخص حسني مبارك.. فمؤسسة الجيش تدير في متوسط التقديرات حوالي 20% من الإقتصاد المصري, بين أراض ومزارع ومصانع لا تتكلف العمالة فيها أي شئ, ويذهب كل حصيلتها لجيوب كبار القواد بلا وجود أدني وسيلة لمراقبتها أو مساءلتها.. هذه واحدة

الشئ الثاني يساوي 1.3 مليار دولار, هو حجم المعونات العسكرية الأمريكية, هنا ايضا بلا مساءلة علي أوجه إنفاق هذه المعونة.. بالطبع لا ننسي أن أمريكا لا تدفع هذا المبلغ للجيش المصري لوجه الله.. أمريكا تدفع مثل هذا المبلغ لأنه وسيلة الضمان الأساسية لتحييد الجيش المصري في معركة السيطرة علي مقدرات المنطقة وحماية إسرائيل.. وقد نجحوا في هذا كلية, ففي تقرير للنيويورك تايمز تحت عنوان "البنتاجون يضع رهانه علي جنرال مصري", جاء أن البنتاجون يراهن بعد سقوط مبارك علي شخصية "سامي عنان" من أجل أن يستمر الجيش في الحكم بلا تغيير حقيقي أو علي أقل تقدير أن يصبح للجيش دور أساسي من رسم السياسة المصرية ولو من وراء ستار

الأمر الثالث الذي حسب المجلس العسكري حسابه عندما بدأت الثورة هو أن أي أوامر للجنود بالتعامل مع الثوار وقتها كان أمرا غير مضمون العواقب, فلو حدث أن رفضت مجموعة من الجنود هذه الأوامر - وهو ما كان سيحدث في الغالب - فإن انقسام الجيش علي نفسه كان سيودي بكل هذه المصالح الخاصة بالمجلس العسكري والمصالح الأمريكية إلي الجحيم

لكل هذه الأسباب اضطر المجلس العسكري للتضحية بشخص مبارك من أجل المحافظة علي وضع ونظام مبارك, لأن شبكة المصالح ومنظومة الفساد هذه ليست مما يمكن التضحية به بسهولة, وأن عالم المصالح أولي وأهم دائما من الأشخاص

المشكلة ظهرت حينما اكتشف المجلس العسكري أن الثوار لم يحملوا حياتهم علي أكفهم من أجل خلع شخص مبارك, وإنما كانت الثورة من أجل خلع نظام مبارك.. نظام العمالة والفساد ورجال الأعمال في كل القطاعات
هذا الإصرار الثوري, الذي لا يهدأ إلا ليعود ولا يظهر السكوت إلا ليتضح أنه سكوت ترقب لا سكوت استسلام, يضع المجلس العسكري في حرجه الدائم والأبدي بين رغبته في عدم إحداث تغيير حقيقي للحفاظ علي مجموعة المصالح, وبين خوفه من تجاهل العمل الثوري الذي من الممكن أن يستمر ويتوسع ليطول رجال المجلس العسكري أنفسهم وهو ما يمكن أن يدمر ايضا شبكة المصالح هذه

إذا فهمنا هذا - في عالم تحركه المصالح والتوازنات - سنفهم كل ما فعله المجلس العسكري من محاولاته المستميتة لوقف وضرب اعتصامات التحرير ومجلس الشعب, إلا الحرب الإعلامية الرهيبة ضد إضرابات العمال, ومحاولة حصر مطالب الثورة في مجموعة من المطالب الإصلاحية الديموقراطية الظاهرية وليس تغييرا شاملا في النظام الإجتماعي وطرق توزيع الثروة في المجتمع, والتركيز علي عجلة الإنتاج باعتبار أن الثورة هي ما قتلت الإنتاج وليس 30 عاما من نظام الظلم والقهر والسرقة والفساد الذي قاده مبارك, وشارك فيه قواد وجنرالات الجيش

الحل؟ الحل بالطبع هو أن نفهم موقف الجيش هذا, ونبدأ في الحركة السريعة لحماية وإنقاذ ثورتنا واستكمال مطالبها مهما كان الثمن, الحل في أن تعود المظاهرات والإعتصامات, وأن تنتشر دعوات الإضراب وأن تتوقف مصر كلها عن العمل حتي تستكمل الثورة

تذكروا: سيقولون ها أنت تطلب ثأرا يطول.. فخذ الآن ما تستطيع.. قليلا من الحق.. في هذه السنوات القليلة... إنه ليس ثأرك وحدك, إنه ثأر جيل فجيل.. وغدا, سوف يولد من يلبس الدرع كاملة.. يوقد النار شاملة.. يطلب الثأر.. يستولد الحق من أضلع المستحيل...